العلاقات بين مصر وغانا (1966-1957)
تأليف/ د. أسامة عبد التواب محمد
عرض: د. أحمد إبراهيم هلالي
ارتبطت مصر بالدول الأفريقية بروابط وعلاقات تاريخية قوية ومميزة؛ لاسيما في الخمسينيات من القرن العشرين، عقد الاستقلال الأفريقي من براثن الاستعمار، أو جني ثمار تفاعل ثورة يوليو المصرية مع نظيراتها من ثورات الأشقاء الأفارقة ضد الاستعمار والإمبريالية.
وتأتي دولة غانا الشقيقة في مقدمات تلك الدول، خاصة وقد كانت أولى دول أفريقيا جنوب الصحراء التي انتزعت استقلالها من الاستعمار البريطاني في العام 1957، وقد التقت القيادتان الثوريتان في كلا الدوليتين آنذاك، مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، وغانا بقيادة الزعيم كوامي نكروما، الذي قاد بلاده نحو الاستقلال، وقد توَّجَ كلاهما العلاقات بين الدولتين في فترة من أهم فترات تاريخ العلاقات المصرية/العربية/الأفريقية من جهة، وتاريخ التفاعلات والعلاقات الدولية بين دول القارة الأفريقية والقوى العظمي من جهة ثانية، وتاريخ صراع القوى العظمي، بكتلتيه الشرقية والغربية -وتابعته الصهيونية- على الأراضي الأفريقية، فيما عُرف بالحرب الباردة من جهة ثالثة، وظهور كتلة الدول الراديكالية الأكثر بُغضًا للاستعمار، والتي عملت جاهدة على محاربته بوجهيه الاستعمار التقليدي -القديم- والاستعمار الجديد معًا من جهة رابعة.
وكما يؤكد مؤلف الكتاب، د. أسامة عبد التواب، في مقدمة كتابه، وهو في الأصل رسالة تقدم للحصول على درجة الماجستير في معهد البحوث والدراسات الأفريقية، بجامعة القاهرة، تحت عنوان: العلاقات المصرية الغانية (1966-1957).
تأتي هذه الدراسة كإحدى الصفحات المهمة التي أثرت في تاريخ القارة الأفريقية، والوطن العربي، وتاريخ العالم كله في فترة مهمة من التاريخ؛ وكإحدى حلقات تاريخ العلاقات المصرية الغانية؛ وهذه العلاقات التي لم تنقطع منذ أقدم العصور حتى الآن، ولكنها في الفترة المعنية بالدراسة، اتخذت مظهرًا جديدًا، وارتبطت بتحقيق آمال الشعبين المصري والغاني، حيث كانا متعطشين للبناء والتنمية وخاصة بعد تحررهما من الاستعمار.
أما مصر، فقد استطاعت تحت حكم زعيمها عبد الناصر إجلاء البريطانيين عن أراضيها بعد معاهدة الجلاء في أكتوبر 1954، وتم الجلاء في يونيو 1956، وفي هذه الأثناء بدأت في كسر احتكار الغرب للسلاح في الشرق الأوسط بأن عقدت صفقة الأسلحة التشيكية في العام 1955، كما رفضت الدخول في الأحلاف الدفاعية، بل وأسهمت في تأسيس كتلة عدم الانحياز، وعندما ردت على تعنت الولايات المتحدة الأمريكية في مسألة تمويل السد العالي بتأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956، واكتمل تبلور الشخصية الوطنية لمصر عند تصديها للعدوان الثلاثي على أراضيها، من هنا بدأت القيادة المصرية في التفكير في محاربة الاستعمار أينما وجد، وتحرير الشعوب المغلوبة على أمرها التي أنَّت من سيطرة العقلية الاستعمارية عليها، فانتهزت حصول غانا على استقلالها في 6 مارس 1957، وبدأت في إقامة العلاقات معها والعمل على تحرير القارة كلها من الاستعمار، مع ما تطلبه ذلك من الوقوف أمام القوى الاستعمارية ومواجهة العديد من التحديات.
أما غانا، فقد حصلت على استقلالها في 6 مارس 1957، كأول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء تحصل على استقلالها، وبدأت تحت حكم زعيمها كوامي نكروما في العمل من أجل البناء والتنمية، وأخذت تستعد للقيام بدور قيادي من أجل تحرير دول القارة، والعمل على أن تنعم شعوبها بمواردها وخيراتها، ولكن كان يستحيل إنجاز ذلك قبل أن يتحقق الاستقلال الفعلي والحقيقي لبلادها؛ حيث كانت بريطانيا قد منحتها استقلالًا اسميًا منقوصًا، كانت ملامحه تتمثل في ربطها بالغرب، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن القيادة الغانية كانت تريد تحقيق لشعبها الاستقلال الحقيقي سياسيًّا واقتصاديًّا.
من هنا دخلت في مواجهة مع الدول الغربية من أجل نيل الاستقلال، ووجدت أن مصر هي الدولة المثلى للتعاون من أجل تحقيق هذه الأهداف، وأنها تتشابه معها في كثير من الظروف والأحداث، فهما دولتان أفريقيتان خضعتا لمؤثرات الاستعمار البريطاني، وتشابهتا أيضًا في وجود نخبة ثورية على رأس نظامهما السياسي، وتمرستا على جميع وسائل المواجهة مع الدول الغربية من أجل البناء والتنمية. من هنا أدركت القيادة الغانية أن التعاون مع مصر هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي لبلادها، وأن تحقيق ذلك يتطلب حربًا شرسة مع الغرب؛ ولذلك قررت السعي لتحقيق هذا التعاون على جميع مستوياته السياسية والاقتصادية والثقافية، وأدركت أن يتم ذلك التعاون في الإطار الثنائي والإقليمي والدولي.
جاء الكتاب في مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وقائمة بأهم الوثائق والمراجع
الفصل الأول: إرهاصات ومحددات العلاقات بين مصر وغانا
تناول هذا الفصل الإطار النظري للعلاقات المصرية الغانية، من حيث رصد إرهاصات تلك العلاقات، وتحليل المحددات الحاكمة للعلاقات بين الدولتين، والتي تمثّلت في رصد الحركة الوطنية الغانية وانعكاساتها في الداخل الغاني، وثورة يوليو المصرية كعنصر إلهام لحركات التحرر في أفريقيا، وغانا بوجه خاص، ثم المحددات والأطر الحاكمة للعلاقات بين الدولتين؛ وكيف أنها وفرت أرضية فكرية وقواسم مشتركة لإقامة تلك العلاقات على أسس متينة.
الفصل الثاني: العلاقات السياسية بين مصر وغانا
يختص هذا الفصل بدراسة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر وغانا، ويعرض لأهم التفاعلات السياسية بين الدولتين، والعلاقات البينية وأوجه التعاون الثنائي بينهما، من حيث الوقوف على بداية انطلاق العلاقات السياسية، والتمثيل الدبلوماسي بينهما، والوقوف على أهم الزيارات بين النخبة الحاكمة في كلا البلدين، ثم تحليل أثر الانقلاب الذي حدث ضد نظام الرئيس نكروما في غانا على العلاقات بين الدولتين.
الفصل الثالث: العلاقات المصرية الغانية في الإطارين الأفريقي والدولي
يعرض المؤلف في هذا الفصل العلاقات السياسية بين الدولتين، ولكن في الإطارين الإقليمي والدولي؛ أما الإطار الإقليمي "الأفريقي"، فيعرض فيه لدور الدولتين في وحدة القارة الأفريقية، وما قامت به الدولتان من أجل هذه الوحدة، مع العرض لأهم المؤتمرات الأفريقية التي جمعت الدولتين في فترة الدراسة، وموقف كلا الدولتين وتنسيقهما المشترك من قضايا التحرر الأفريقي. أما الإطار الدولي، فيتناول فيه المؤلف التنسيق والمواقف المشتركة بين مصر وغانا في المؤتمرات والمنظمات الدولية التي جمعتهما، ومواقف الدول الكبرى من علاقات الدولتين بعضهما ببعض، وأثر تلك العلاقات على علاقات غانا بإسرائيل، وانعكاس العلاقات المصرية الغانية على أحداث الشرق الأوسط.
الفصل الرابع: التعاون الفني والاقتصادي بين مصر وغانا
يتناول هذا الفصل قضية التعاون بين كل من مصر وغانا في مجال الخبرة الفنية، مع عرض وتحليل أهم المعاهدات والاتفاقيات التي نظمت ذلك التعاون، وكيف حققت الدولتان تقدمًا اقتصاديًا آنذاك. وكذلك تعاونهما في مجالي النقل والمواصلات، وانعكاسات تلك العلاقات في الإطار الأفريقي؛ ثم أثر مشروعات التنمية في مصر على مثيلاتها في غانا، وأوجه التعاون التي تمت بين الدولتين في المجالات العسكرية والأمنية. وأخيرًا، يعرض الفصل لدور مصر في مواجهة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي في غانا.
أسامة عبد التواب محمد: العلاقات بين مصر وغانا (1966-1957)، سلسلة بحوث أفريقية، العدد (2)، مركز تاريخ مصر المعاصر، الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، 2014، 300 صفحة.
للاطلاع على موضوعات سلسلة بحوث أفريقية اضغط هنا

Comments
Post a Comment