دبلوماسية مصر في الحرب، السلام والانتقال.
تأليف: نبيل فهمي
عرض: د. أحمد إبراهيم هلالي
عن دار بالجريف ماكميلان Palgrave Macmillan، لندن، في أوائل العام 2020، صدرت الطبعة الإنجليزية لكتاب: "دبلوماسية مصر في الحرب، السلام والانتقال Egypt’s Diplomacy in War, Peace and Transition"، بقلم السيد السفير نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري الأسبق في أوائل العام 2020.
نبيل
فهمي، وزير خارجية مصر السابق، هو العميد المؤسس لكلية الشؤون العالمية والسياسة
العامة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. وعمل سفيرا لمصر لدى الولايات المتحدة من
1999 إلى 2008، ومبعوثا لليابان بين عامي 1997 و 1999.
يسعى
أحدث كتاب لوزير الخارجية المصري الأسبق نبيل فهمي، وفقًا لقوله، إلى إطلاع
الأجيال القادمة على تحديات فن الحكم الذي واجهته مصر على مدى السنوات الخمسين
الماضية.
وبمزيج
بين المذكرات الشخصية والتحليلات السياسية يقدم المؤلف نقدًا صريحًا، على غير العادة
بالنسبة لدبلوماسي محترف. وعلى الرغم من أنه قد يقنع القارئ في كل منعطف، إلا أن
الكتاب مليء برؤى كاشفة ومثيرة للتفكير في الناس والأحداث المتباينة.
يقدم المؤلف في هذا الكتاب، الذي كُتب
من منظور أحد المطلعين على أبرز الأحداث في الشرق الأوسط على مدى الخمسين عامًا
الماضية، رؤى فريدة من نوعها، ومعلومات مباشرة، وتحليل نقدي، بالإضافة إلى دراسات
حالة، حيث يتبادل بثراء تجاربه كدبلوماسي مصر شغله مواقع العمل الدبلوماسي من أولأ
مواقعها وحتى مقعد وزير الخارجية. يغطي هذا مجموعة واسعة من القضايا بما في ذلك
عملية السلام العربية الإسرائيلية، وتحرير الكويت، وغزو العراق، وانتشار الأسلحة
النووية في المنطقة، والعلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا وغيرها من الجهات
الفاعلة الدولية والإقليمية الرئيسية. ويقدم، بالإضافة إلى ذلك، سلسلة من المسارات
المحتملة لمستقبل مصر وعلاقاتها داخل المنطقة والعالم.
ويقول
فهمي الذي بدأ حياته الدبلوماسية في في عهد والده وزير الخارجية الأسبق "إسماعيل
فهمي"، الذي عدَّه كمعلمٍ فريد، يذكر في مستهل الكتاب، أنه مع ذلك أصرّ على أنه
اتخذ القرارات المهنية والشخصية في وقته بشكل مستقل.
الكتاب مكتوب بأسلوب جذاب في شقين؛ أحدهما من "المذكرات"،
وإن ذكر أنه سعي
إلى الابتعاد عن الأحداث الشخصية إلا فيما يخدم الحدث نفسه، ليجد القارئ في الكتاب
إسهامًا موضوعيًا ومعلومة جديدة غير متاحة، وتقييمًا للأحداث والخروج بدروس
مستفادة. بينما الشق الآخر
من "التحليل التاريخي والسياسي".
ينقسم موضوع الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسة، ضمَّت عشرة فصول: يركز القسم الأول منه على مسار المؤلف الشخصي. بينما يتناول الثاني تحديات وفرص السياسة الخارجية لمصر. أما القسم الثالث فينظر إلى التحولات التي شهدتها مصر في العقد الماضي، ويقدم القسم الرابع والأخير، رؤية لشرق أوسط أكثر استقرارًا وتعاونًا.
الجزء الأول: مصائر مجهولة
يحتوي هذا الجزء على فصل واحد بعنوان: (توافقات شخصية ومهنية)
يعرض المؤلف في هذا القسم من الكتاب سيرته الشخصية، وتكوينه الثقافي والفكري دون إسهاب. كما عرض لفترة تكوينه الوظيفي وانخراطه في العمل لدبلوماسي في مارس 1976، وكيف كان عليه أن يعمل بشكل مختلف، خاصة وأن رئيسه في العمل هو والده "وزير الخارجية.
يستعرض نبيل فهمي، من بعد ذلك، مسيرته الوظيفية في الدبلوماسية المصرية من بعد خروج والده من العمل كوزير للخارجية، بعد اعتراضه على زيارة الرئيس السادات للقدس؛ بدءًا من عمله في البعثة المصرية في الأمم المتحدة، ثم كمستشار سياسي لوزير الخارجية المصري "عمرو موسى" في مايو 1991، ثم كسفير لمصر في اليابان في (1999-1997)، ثم سفيرًا لمصر لدى الولايات المتحدة الأمريكية في (2008-1999)، ثم انخراطه في العمل الأكاديمي كعميد ومؤسس لمدرسة الشؤون العالمية والسياسة العامة School of Global Affairs and Public Policy (GAPP)، في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، في أغسطس 2009. والعروض التي قدمت له لتولى وزارة لخارجية أكثر من مرة في فترة الحكم العسكري بعد خلع الرئيس الأسبق مبارك من الحكم في 2011، إلى أن قبل منصب وزير الخارجية في الفترة (8 يونيو 2014-16 يوليو 2013)، وفي كل من مراحل العمل المختلفة، عرض المؤلف، دون إسهاب، لبعض القضايا السياسية المصرية على المستوى الخارجي.
الجزء الثاني: تحديات وفرص السياسة الخارجية
يحتوى
هذا الجزء على ستة فصول
الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
لا حرب.
مع ذلك لا سلام.
الجهود الرامية إلى قمع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
مشاركة جديدة من الجيران الحساسين والعلاقات طويلة الأمد.
علاقة لا غنى عنها ولكن غير مريحة.
كرَّس المؤلف في هذا الجزء فصولاً جوهريةً للقضايا الرئيسة في الكتاب، بدءًا بالتطورات الجيوسياسية الرئيسية في المنطقة، وحرب 1967 ونهاية القومية العربية، وحرب 1973 ومسار السلام المعقد مع إسرائيل، وهجمات 11 سبتمبر ،وما أعقبها من غزو الولايات المتحدة للعراق واندلاع الحرب على الإرهاب، والجهود المستمرة التي تبذلها مصر للتفاوض على إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، والعلاقات مع القوى الإقليمية العائدة لتركيا وإيران، والعلاقة المعقدة مع الولايات المتحدة.
وفي كل من هذا الموضوعات الرئيسة، رسم المؤلف الدور الذي سعت مصر ودبلوماسيتها إلى القيام به، مما يعزز مبادئ الاعتدال والحداثة، من وجهة نظره، في منطقة تزداد انقسامًا وتطرفًا بسبب التطرف الديني والطائفية؛ مؤكدًا على أنه طوال الوقت ليس لدى مصر خيارًا سوى أن تكون وفية لهويتها كقوة وسطية كبيرة، ولها مصالح دائمة في الاستقرار والتعاون الإقليميين، ومجموعة مكملة للعلاقات مع القوى العظمى في العالم: الولايات المتحدة كشريك رئيسي، وروسيا والصين كقوى ناشئة لديها الكثير لتقدمه في قطاعات معينة. وفي الوقت نفسه، لم يغفل المؤلف قضية قوة مصر الناعمة في الماضي والحاضر على حد سواء، وأهمية هذه القوة لمواجهة التداعيات والإشكاليات التي تواجهها مصر منذ 2011.
الجزء الثالث: تحولات مصر المستمرة
يحتوى هذا الجزء على فصلين بعنوان:
بعد ثلاثة عقود صحوة عامة تأجج.
رابطة بين السياسة الخارجية والداخلية طوال الفترة الانتقالية.
رأى المؤلف أن قضية المرحلة الانتقالية في مصر "مرحلة طويلة"، تمتد منذ 1952، وليس 2011. وهكذا يبدأ المؤلف تحليله لما رآه مرحلة الصعود والهبوط في مصر، ولا سيما الفترة المضطربة منذ 2011؛ وحيث كان في مصر عندما اندلعت الأحداث، فيقدم سردًا مهمًا ومفصلًا للتطورات التي رآها مباشرة بين مختلف الشخصيات الحكومية والمعارضة خلال تلك الفترة من الاضطرابات، وتقييمًا للسنة التي حكم فيها الإخوان المسلمين.
وحيث كان وزيرًا للخارجية في أول إدارة في مرحلة ما بعد محمد مرسي، يشرح كيف حاول إعادة تقويم وتنويع السياسة الخارجية لمصر. ومع ذلك، ينتهي هذا القسم الخاص بالاضطرابات الداخلية في مصر، الثرية بالتفاصيل، دون التعرض للسبب الرئيسي من عدم تمكن مصر من الانتقال آنذاك إلى أن تكون أكثر تمثيلًا عن العقود الماضية.
الجزء الرابع: نتطلع
يحتوى هذا الجزء على فصل واحد بعنوان:
نحو شرق وسط أفضل.
في هذا الجزء الرابع والأخير، يدعو المؤلف إلى دبلوماسية عربية أكثر استباقية، مع دور متجدد لمصر في العمل على تهدئة الصراع وتحقيق الاستقرار والتعاون الإقليمي في الشرق الأوسط. ويؤكد بدقة أنه ما لم يتمكن أربعة من اللاعبين الرئيسيين – تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية وإيران – من تخفيف تصعيد صراعاتهم المشتركة والمضي قدمًا نحو التفاهم والتعاون، فإن الأمل ضعيف في منطقة مستقرة.
وفي النهاية، فإن كتابة دبلوماسية مصر، هو كتاب من المهم قراءته لكل من يهتم بتاريخ الشرق الأوسط الحديث، والدور المهم، والصعب، الذي لعبته مصر في مراحل مختلفة من تاريخها. هو كتاب غني بالتفاصيل المهمة، والأحاديث الملفتة للانتباه، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف في رؤى القارئ وتحليلاته عن رؤى وتحليلات المؤلف، ولكنها في كل الأحوال رؤى وملاحظات واسعة، جديرة بالمطالعة، وتتحمّل التأويل. وعلى هذا النحو، فهو إضافة مهمة إلى المكتبة.
نبيل فهمي: دبلوماسية مصر في الحرب والسلام والانتقال، بالجريف ماكميلان، لندن، 2020، 377 صفحة.

Comments
Post a Comment